الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَأَهْلُ الإِسْلاَمِ كُلُّهُمْ إخْوَةٌ لاَ يُحَرَّمُ عَلَى ابْنٍ مِنْ زِنْجِيَّةٍ لِغِيَّةٍ نِكَاحُ ابْنَةِ الْخَلِيفَةِ الْهَاشِمِيِّ. وَالْفَاسِقُ الَّذِي بَلَغَ الْغَايَةَ مِنْ الْفِسْقِ الْمُسْلِمُ مَا لَمْ يَكُنْ زَانِيًا كُفُؤٌ لِلْمُسْلِمَةِ الْفَاضِلَةِ. وَكَذَلِكَ الْفَاضِلُ الْمُسْلِمُ كُفُؤٌ لِلْمُسْلِمَةِ الْفَاسِقَةِ مَا لَمْ تَكُنْ زَانِيَةً وَاَلَّذِي نَخْتَارُهُ فَنِكَاحُ الأَقَارِبِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ صَاحِبُ مَالِكٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: يُفْسَخُ نِكَاحُ الْمَوْلَى لِلْعَرَبِيَّةِ. وقال أبو حنيفة: إنْ رَضِيَتْ الْقُرَشِيَّةُ بِالْمَوْلَى وَوَفَّاهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا أَمَرَ الْوَلِيُّ أَنْ يَنْكِحَهَا فَإِنْ أَبَى أَنْكَحَهَا الْقَاضِي. وقال مالك: وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ كَقَوْلِنَا. قال أبو محمد: احْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ بِآثَارٍ سَاقِطَةٍ، وَالْحُجَّةُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَوْله تَعَالَى مُخَاطِبًا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ: وَقَالَ تَعَالَى: وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي الْفَاسِقِ، وَالْفَاسِقَةِ، فَيَلْزَمُ مَنْ خَالَفَنَا أَنْ لاَ يُجِيزَ لِلْفَاسِقِ أَنْ يَنْكِحَ إِلاَّ فَاسِقَةً، وَأَنْ لاَ يُجِيزَ لِلْفَاسِقَةِ أَنْ يَنْكِحَهَا إِلاَّ فَاسِقٌ، وَهَذَا لاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى:
وَتَزْوِيجُ الْمَرِيضِ الْمُوقِنِ بِالْمَوْتِ، أَوْ غَيْرِ الْمُوقِنِ: مَرِيضَةً كَذَلِكَ أَوْ صَحِيحَةً جَائِزٌ، وَيَرِثُهَا وَتَرِثُهُ: مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ أَوْ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ. وَكَذَلِكَ لِلْمَرِيضَةِ الْمُوقِنَةِ وَغَيْرِ الْمُوقِنَةِ: أَنْ تَتَزَوَّجَ صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا، وَلَهَا فِي كُلِّ ذَلِكَ الصَّدَاقُ الْمُسَمَّى كَالصَّحِيحَيْنِ، وَلاَ فَرْقَ. وقال مالك: يُفْسَخُ نِكَاحُ الْمَرِيضِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ الدُّخُولِ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلاَ شَيْءَ لَهَا، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا فِي ثُلُثِ مَالِهِ، بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، وَلاَ مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ أَلْبَتَّةَ. قَالَ: فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ نِكَاحَهَا فَعَلَيْهَا الْإِحْدَادُ، وَلاَ مِيرَاثَ لَهَا قَالَ: فَإِنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ وَقَدْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَأَرَى أَنْ يُفَارِقَهَا وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: إنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ جَازَ النِّكَاحُ. قَالَ: وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ لِلْمَرِيضَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَلاَ يَرِثَهَا الَّذِي يَتَزَوَّجُهَا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَلَهَا الصَّدَاقُ عَلَيْهِ إنْ دَخَلَ بِهَا. قَالَ: وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ طَلاَقًا بَائِنًا فَلاَ يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إذَا أَتَمَّتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَهَذَا تَقْسِيمٌ لاَ نَعْرِفُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَمِمَّنْ قَالَ: لاَ يَجُوزُ نِكَاحُ الْمَرِيضِ: عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، إِلاَّ، أَنَّهُ قَالَ: إنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ جَازَ ذَلِكَ النِّكَاحُ. وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: صَدَاقُ الَّتِي تَتَزَوَّجُ الْمَرِيضَ فِي ثُلُثِهِ. وَاخْتَلَفَ عَنْ رَبِيعَةَ: فَرَوَى عَنْهُ ابْنُ سَمْعَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَنَّ صَدَاقَهَا فِي ثُلُثِهِ، وَلاَ مِيرَاثَ لَهَا قَالَ ابْنُ سَمْعَانَ: وَقَضَى بِهَذَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ فِي نِكَاحِ بِنْتِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ عِيَاضٍ الزُّهْرِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ مَعْمَرٍ وَهُوَ ثِقَةٌ أَنَّ صَدَاقَهَا وَمِيرَاثَهَا فِي ثُلُثِهِ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. قال أبو محمد: وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ. وَرَاعَى آخَرُونَ الْمُضَارَّةَ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: سَأَلْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ تَزْوِيجِ الْمَرِيضِ فَقَالاَ جَمِيعًا: إنْ لَمْ يَكُنْ مُضَارًّا جَازَ تَزْوِيجُهُ وَإِنْ كَانَ مُضَارًّا لَمْ يَجُزْ، وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ فِي ثُلُثِ مَالِهِ، قَالاَ: فَإِنْ خَلاَ بِهَا فَلَهَا الصَّدَاقُ مِنْ الثُّلُثِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيُّ فِي نِكَاحِ الْمَرِيضِ قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُدْخِلَ الْإِضْرَارُ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ، وَلاَ نَرَى أَنْ تَرِثَهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ ضِرَارًا. قَالَ مَعْمَرٌ: وَقَالَ قَتَادَةُ: إنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا مِنْ حَاجَةٍ إلَيْهَا فِي خِدْمَتِهِ، أَوْ فِي قِيَامٍ بِأَمْرِهِ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ. وَقَالَ آخَرُونَ بِمِثْلِ قَوْلِنَا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَجَلِي إِلاَّ عَشْرَةُ أَيَّامٍ أَنْ أَمُوتَ فِي آخِرِهَا يَوْمًا لِي فِيهِنَّ طَوْلٌ لِلنِّكَاحِ لَتَزَوَّجْت مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: زَوِّجُونِي، إنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَزَبًا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، قَالاَ جَمِيعًا: نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ هُوَ الضَّرِيرُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلَ الزُّبَيْرِ عَلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ يَعُودُهُ فَبَشَّرَ الزُّبَيْرُ بِجَارِيَةٍ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ قُدَامَةُ: زَوِّجْنِيهَا فَقَالَ لَهُ الزُّبَيْرُ: وَمَا تَصْنَعُ بِجَارِيَةٍ صَغِيرَةٍ وَأَنْتَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ فَقَالَ لَهُ قُدَامَةُ: إنْ أَنَا عِشْت فَابْنَةُ الزُّبَيْرِ، وَإِنْ مِتُّ فَأَحَقُّ مَنْ وَرِثَتْنِي، قَالَ عُرْوَةُ: فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تَزَوَّجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ بِنْتَ عَمٍّ لَهُ فِي مَرَضِهِ لِتَرِثَهُ، فَمَاتَ فَوَرِثَتْهُ، وَذَلِكَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنِيّ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ بِنْتَ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَمِّهِ وَهُوَ مَرِيضٌ لِتُشْرِكَ نِسَاءَهُ فِي الْمِيرَاثِ. قال أبو محمد: عَبْدُ اللَّهِ لَهُ صُحْبَةٌ صَحِيحَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالاَ جَمِيعًا :، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ سَعِيدٌ فِي رِوَايَتِهِ: سَمِعْت الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: تَزْوِيجُ الْمَرِيضِ جَائِزٌ، وَشِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْمَرِيضِ فِي مَرَضِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: نِكَاحُ الْمَرِيضِ جَائِزٌ، وَلاَ يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ: نِكَاحُ الْمَرِيضِ جَائِزٌ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِمَا وَكُلُّهُمْ يَرَى الصَّدَاقَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا. وَرَأَى الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: أَنَّ لَهَا الصَّدَاقَ الْمُسَمَّى لَهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَتَزَوَّجَ شَيْخُنَا أَبُو الْخِيَارِ مَسْعُودُ بْنُ سُلَيْمَانَ رضي الله عنه قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعِ لَيَالٍ، وَهُوَ مَرِيضٌ يَائِسٌ مِنْ الْحَيَاةِ وَدَخَلَ بِهَا إحْيَاءً لِلسُّنَّةِ. قال أبو محمد: عَهْدُنَا بِالْمَالِكِيِّينَ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،: مُخَالِفٌ وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، وَالزُّبَيْرَ، وَقُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، بِحَضْرَةِ جَمِيعِ الأَحْيَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ، لاَ يُنْكِرُ ذَلِكَ أَحَدٌ، وَفِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ. قال أبو محمد: أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّكَاحَ، وَلَمْ يَخُصَّ فِي الْقُرْآنِ، وَلاَ فِي السُّنَّةِ: صَحِيحًا وَصَحِيحَةً مِنْ مَرِيضٍ وَمَرِيضَةٍ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَمَا نَعْلَمُ لِلْمُخَالِفِ حُجَّةً أَصْلاً، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ مِنْ رَأْيٍ يُعْقَلُ، غَيْرُ أَنَّ بَعْضَهُمْ احْتَجَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُدْخِلَ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ مَنْ يُشْرِكُهُمْ فِيهِ. قال أبو محمد: وَأَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُونَ: إنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِالْمَوْتِ بِابْنِ أَمَةٍ لَهُ لَمْ يَزَلْ يَقُولُ: إنَّهُ عَبْدُهُ فَأَقَرَّ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ، فَإِنَّ إقْرَارَهُ نَافِذٌ، وَيَرِثُ مَالَهُ فَأَجَازُوا أَنْ يُدْخِلَ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ مَنْ يَحْرِمُهُمْ الْكُلَّ، وَمَنَعُوهُ أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهِمْ مَنْ يَحُطُّهُمْ الْيَسِيرَ، وَهَذَا غَايَةُ التَّخْلِيطِ. وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ رَجُلاً مَرِيضًا يَائِسًا مِنْ الْفَاقَةِ وَالْعَيْشِ ابْتَاعَ جَارِيَةً وَأَشْهَدَ النَّاسَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَبْتَاعُهَا لِيَطْلُبَ مِنْهَا الْوَلَدَ، لِيَمْنَعَ بِذَلِكَ وَرَثَتَهُ الْمِيرَاثَ، فَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ: أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ مُبَاحٌ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّهَا قَدْ تَحْمِلُ وَقَدْ لاَ تَحْمِلُ. قلنا: وَاَلَّتِي تَزَوَّجَ فِي مَرَضِهِ قَدْ تَمُوتُ هِيَ قَبْلَهُ فَيَرِثُهَا فَيَزِيدُ بِذَلِكَ الْوَرَثَةُ فِي مِيرَاثِهِمْ، وَلَيْتَ شِعْرِي أَيَمْنَعُونَ الْمُسْلِمَ الْمَرِيضَ مِنْ زَوَاجِ مَمْلُوكَةٍ أَوْ ذِمِّيَّةٍ لاَ يَرِثَانِهِ أَمْ لاَ وَهَلْ يَمْنَعُونَ الْمَرِيضَ الَّذِي لاَ شَيْءَ لَهُ مِنْ الزَّوَاجِ، وَلاَ بُدَّ لَهُمْ مِنْ تَرْكِ أَصْلِهِمْ الْفَاسِدِ ضَرُورَةً أَوْ التَّنَاقُضُ. وَقَالُوا: قِسْنَا نِكَاحَ الْمَرِيضِ عَلَى طَلاَقِهِ . فَقُلْنَا: قِسْتُمْ الْخَطَأَ عَلَى الْخَطَأِ، ثُمَّ أَخْطَأْتُمْ فِي الْقِيَاسِ، لأََنَّكُمْ أَجَزْتُمْ طَلاَقَ الْمَرِيضِ وَوَرَّثْتُمُوهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَدْتُمْ إصَابَةَ الْقِيَاسِ فَأَجِيزُوا نِكَاحَهُ، وَامْنَعُوهُ الْمِيرَاثَ مَعَ ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا تَرَكَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ الْقِيَاسَ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُمْ أَصْلٌ لاَ يَجُوزُ تَرْكُهُ. وَمِنْ الْعَجَائِبِ أَنَّ مَالِكًا يَفْسَخُ نِكَاحَ الأَمَةِ الْفَارَّةِ، كَمَا يَفْسَخُ نِكَاحَ الصَّحِيحَةِ لِلْمَرِيضِ، وَلاَ يَدَعُ لِلْفَارَّةِ مِمَّا سُمِّيَ لَهَا إِلاَّ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ، وَيَجْعَلُ لِلَّتِي تَزَوَّجَتْ الْمَرِيضَ جَمِيعَ مَهْرِ مِثْلِهَا فَهَلْ يُسْمَعُ بِأَعْجَبَ مِنْ هَذَا التَّحَكُّمِ بِلاَ برهان.
وَإِنْ حَمَلَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زِنًى، أَوْ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ مَفْسُوخٍ، أَوْ كَانَ نِكَاحًا صَحِيحًا فَفَسْخٌ لِحَقٍّ وَاجِبٍ، أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَحَمَلَتْ مِنْ سَيِّدِهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا، أَوْ مَاتَ عَنْهَا، فَلِكُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا أَنْ تَتَزَوَّجَ قَبْلَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، كُلُّ ذَلِكَ بِخِلاَفِ الْمُطَلَّقَةِ، أَوْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَهِيَ حَامِلٌ، فَهَاتَانِ لاَ يَحِلُّ لَهُمَا الزَّوَاجُ أَلْبَتَّةَ حَتَّى يَضَعَا حَمْلَهُمَا، وَحَاشَا الْمُعْتَقَةَ الْحَامِلَةَ تَخْتَارُ نَفْسَهَا، فَإِنَّ نِكَاحَ هَذِهِ مَفْسُوخٌ، وَلاَ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْكِحَ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا. برهان ذَلِكَ: أَنَّ الْحَامِلَ الْمُطَلَّقَةَ، أَوْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا: هِيَ مُعْتَدَّةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نِكَاحَ الْمُعْتَدَّةِ جُمْلَةً حَتَّى تَتِمَّ عِدَّتُهَا. وَأَمَّا سَائِرُ مَنْ ذَكَرْنَا فَلَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ، وَلاَ فِي السُّنَّةِ إيجَابُ عِدَّةٍ عَلَيْهِنَّ، وَلاَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُنَّ، إِلاَّ عَلَى الْمُعْتَقَةِ تَخْتَارُ نَفْسَهَا فَقَطْ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ مِنْ عِدَّةٍ، وَلاَ ذَاتِ زَوْجٍ، فَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ، إِلاَّ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ، وَلاَ نَصٌّ يَمْنَعُ هَهُنَا مِنْ الزَّوَاجِ، وَلاَ يَحِلُّ بِالنَّصِّ وَطْءُ حَامِلٍ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ مِنْهُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَبُو يُوسُفَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لِلْحَامِلِ مِنْ زِنًى أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَلاَ يَطَؤُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا. وقال أبو حنيفة: وَإِنْ خَرَجَتْ إلَيْنَا الْحَرْبِيَّةُ مُسْلِمَةً وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ زَوْجِهَا فَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَلَكِنْ لاَ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا. قال أبو محمد: وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَقَالَ زُفَرُ عَلَى الزَّانِيَةِ الْعِدَّةُ كَامِلَةً. وقال مالك: لاَ تَتَزَوَّجُ الْحَامِلُ مِنْ زِنًى حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، وَلاَ إنْ كَانَتْ غَيْرَ حَامِلٍ، إِلاَّ حَتَّى تَعْتَدَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ. قَالَ عَلِيٌّ: وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: خَطَبْت إلَى رَجُلٍ أُخْتَهُ، فَذَكَرَ أَنَّهَا أَحْدَثَتْ يَعْنِي زَنَتْ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَضَرَبَهُ أَوْ كَادَ يَضْرِبُهُ. وقال مالك: وَلِلْخَبَرِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بِهَذَا الْخَبَرِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَفِيهِ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ لَهُ: انْكِحْ وَاسْكُتْ. قال أبو محمد: فَهَذَا عُمَرُ أَمَرَهَا بِالنِّكَاحِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ حَتَّى تُتِمَّ عِدَّةً، وَلاَ إنْ كَانَتْ حَامِلاً: وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَزَوَّجَ سِبَاعُ بْنُ ثَابِتٍ بِنْتَ مَوْهَبِ بْنِ رَبَاحٍ وَلَهُ ابْنٌ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَهَا بِنْتٌ مِنْ غَيْرِهِ، فَفَجَرَ الْغُلاَمُ بِالْجَارِيَةِ، فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَسُئِلَتْ فَاعْتَرَفَتْ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَاعْتَرَفَا، فَحَدَّهُمَا وَحَرَّضَ عَلَى أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَأَبَى الْغُلاَمُ. فَهَذَا عُمَرُ يُبِيحُ لِلْحَامِلِ مِنْ زِنًى الزَّوَاجَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا لَوْ ظَفِرُوا بِهِ. وَشَغَبَ الْمُخَالِفُونَ بِأَنْ قَالُوا: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قال أبو محمد: لاَ عَجَبَ أَعْجَبُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُحْتَجُّ بِهَذَا الْخَبَرِ أَوَّلَ مُخَالِفٍ لِكُلِّ مَا فِيهِ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَوْ انْسَنَدَ لَقُلْنَا بِهِ، وَلَكِنَّهُ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ سَعِيدٍ وَنَضْرَةَ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُنْقَطِعٍ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ: نَضْرَةُ قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً بِكْرًا فِي سِتْرِهَا، فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا، فَإِذَا هِيَ حُبْلَى، فَقَالَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام: لَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَالْوَلَدُ عَبْدٌ لَكَ، وَإِذَا وَلَدَتْ فَاجْلِدُوهَا قال أبو محمد: وَلَمْ يَذْكُرْ هَهُنَا تَفْرِيقًا، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى أَنْ يُمَوِّهَ بِإِسْنَادِهِ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يُعْلَمُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ سَمَاعٌ مِنْ نَصْرَةَ أَوْ نَضْرَةَ، فَبَطَلَ الأَحْتِجَاجُ بِهِ، وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: قلنا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لأََنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ إنَّمَا هُوَ أَنْ يَحْكُمَ لِلشَّيْءِ بِحُكْمِ نَظِيرِهِ، وَلَيْسَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ الْحَلاَلُ نَظِيرًا لِلْفَاسِدِ الْحَرَامِ، الَّذِي لاَ يَحِلُّ عَقْدُهُ، وَلاَ إقْرَارُهُ، بَلْ هُوَ ضِدُّهُ، فَهُوَ بَاطِلٌ لاَ نِسْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلاَقِ عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ. وَأَمَّا الَّتِي انْفَسَخَ نِكَاحُهَا بَعْدَ صِحَّتِهِ، فَإِنَّ الْفَسْخَ لاَ نِسْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلاَقِ، لأََنَّ الطَّلاَقَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِاخْتِيَارِ الزَّوْجِ، وَأَمَّا الْفَسْخُ فَلاَ يُرَاعَى اخْتِيَارُهُ فِي ذَلِكَ. قال أبو محمد: وَكَذَلِكَ الأَمَةُ الْحَامِلُ مِنْ سَيِّدِهَا: يَمُوتُ عَنْهَا، أَوْ يَعْتِقُهَا أَوْ تَحْمِلُ مِنْ زِنًى لاَ عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي لاَ زَوْجَ لَهَا، وَلاَ هِيَ فِي عِدَّةٍ، وَلاَ هِيَ أُمُّ وَلَدٍ، فَإِنَّ إنْكَاحَهَا حَلاَلٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ فَطَلَّقَ إحْدَاهُنَّ ثَلاَثًا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ أَوْ غَيْرُ حَامِلٍ، وَقَدْ وَطِئَهَا إذْ كَانَتْ فِي عِصْمَتِهِ أَوْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ إثْرَ طَلاَقِهِ لَهَا رَابِعَةً، أَوْ أُخْتَهَا، أَوْ عَمَّتَهَا، أَوْ خَالَتَهَا، أَوْ بِنْتَ أَخِيهَا، أَوْ بِنْتَ أُخْتِهَا، وَيَدْخُلَ بِهَا. فأما فِي الطَّلاَقِ الرَّجْعِيِّ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا. وقولنا في هذا هُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَخِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَعَطَاءٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَرَبِيعَةَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِمَا، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ الأَشْهَرُ مِنْ قَوْلِ الأَوْزَاعِيِّ وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَيْضًا، وَأَحَدُ قَوْلَيْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ نُضَيْلَةَ، وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الأَوْزَاعِيِّ وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ إبَاحَةُ ذَلِكَ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الَّتِي طَلَّقَ حُبْلَى. قال أبو محمد: مَا نَعْلَمُ لِمَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ حُجَّةً إِلاَّ أَنَّهُمْ مَوَّهُوا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَمَّا اجْتِمَاعُ مَائِهِ فِي خَمْسِ نِسْوَةٍ، أَوْ فِي ثَمَانٍ، أَوْ فِي أُخْتَيْنِ، فَلاَ نَعْلَمُ نَصًّا مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ: مَنَعَا مِنْ ذَلِكَ، إنَّمَا مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ نِكَاحِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، وَمِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي عَقْدِ نِكَاحٍ، أَوْ اسْتِحْلاَلِ وَطْءٍ فَقَطْ، وَقَدْ فَصَّلَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا مِنْ النِّسَاءِ ثُمَّ قَالَ: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ. وَمِنْ طَرِيفِ تَنَاقُضِ الْحَنَفِيِّينَ هَهُنَا: أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا، وَلاَ عَمَّتَهَا، وَلاَ خَالَتَهَا، وَلاَ بِنْتَ أَخِيهَا، وَلاَ بِنْتَ أُخْتِهَا، حَتَّى تُتِمَّ الْمُعْتَقَةُ عِدَّتَهَا ثَلاَثَ حِيَضٍ. قَالَ: وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَأَجَازَ أَنْ يَجْتَمِعَ مَاؤُهُ فِي أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَخَامِسَةٍ مُعْتَدَّةٍ مِنْهُ وَمَنَعَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ زُفَرُ. وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَمْلُوكَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَهَا، وَلاَ لأَمْرَأَةٍ أَنْ تَتَزَوَّجَ مَمْلُوكَهَا قَبْلَ أَنْ تَعْتِقَهُ، فَإِنْ أَعْتَقَتْهُ جَازَ لَهُمَا التَّنَاكُحُ إنْ تَرَاضَيَا كَالأَجْنَبِيِّ، وَلاَ فَرْقَ وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:
وَجَائِزٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ وَالِدِهِ الَّتِي لاَ تَحِلُّ لِوَالِدِهِ، وَأَمَةَ وَلَدِهِ الَّتِي لاَ تَحِلُّ لِوَلَدِهِ، وَأَمَةَ أُمِّهِ، وَأَمَةَ ابْنَتِهِ. وَجَائِزٌ لِلْعَبْدِ نِكَاحُ أُمِّ سَيِّدِهِ، وَبِنْتِ سَيِّدِهِ، وَأُخْتِ سَيِّدِهِ، إذَا كَانَ كُلُّ ذَلِكَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ حُجَّةً أَصْلاً. إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: قَدْ يَرِثُهَا وَتَرِثُهُ فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ . فَقُلْنَا: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا أَوْ قَدْ تَشْتَرِيهِ وَيَشْتَرِيهَا، وَلاَ فَرْقَ. برهان صِحَّةِ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً، فَلَهُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا مُتَغَفِّلاً لَهَا وَغَيْرَ مُتَغَفِّلٍ إلَى مَا بَطَنَ مِنْهَا وَظَهَرَ، وَلاَ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي أَمَةٍ يُرِيدُ شِرَاءَهَا. وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلاَّ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَقَطْ، لَكِنْ يَأْمُرُ امْرَأَةً تَنْظُرُ إلَى جَمِيعِ جِسْمِهَا وَتُخْبِرُهُ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، هُوَ ابْنُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا يَدْعُوهُ إلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ قَالَ جَابِرٌ فَخَطَبْتُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ تَحْتَ الْكَرَبِ حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا بَعْضَ مَا دَعَانِي إلَيْهَا. وَقَدْ رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ: مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، فَكَانَ هَذَا عُمُومًا مَخْرَجًا لِهَذِهِ الْحَالِ مِنْ جُمْلَةِ مَا حُرِّمَ مِنْ غَضِّ الْبَصَرِ. وَأَمَّا النَّظَرُ إلَى الْجَارِيَةِ يُرِيدُ ابْتِيَاعَهَا فَلاَ نَصَّ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ حُجَّةَ فِيمَا جَاءَ عَنْ سِوَاهُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ: فَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ إبَاحَةُ النَّظَرِ إلَى سَاقِهَا وَبَطْنِهَا وَظَهْرِهَا، وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى عَجُزِهَا وَصَدْرِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ. وَصَحَّ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ إبَاحَةُ النَّظَرِ إلَى مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَدُونَ الرُّكْبَةِ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَرُوِّينَا عَنْ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ: أَنَّهُ لَمْ يَسْتَجِزْ النَّظَرَ إلَى سَاقِهَا. قال أبو محمد: فَبَقِيَ أَمْرُ الأَبْتِيَاعِ عَلَى وُجُوبِ غَضِّ الْبَصَرِ. وَأَمَّا الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ: فَقَدْ جَاءَ فِيهِمَا الْخَبَرُ الْمَشْهُورُ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ مِنْ أَمْرِ الْخَثْعَمِيَّةَ الَّتِي سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَجِّ عَنْ أَبِيهَا، وَأَنَّ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ جَعَلَ يَنْظُرُ إلَى وَجْهِهَا، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ عَنْهَا، وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِسِتْرِ وَجْهِهَا فَفِي هَذَا إبَاحَةُ النَّظَرِ إلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ لِغَيْرِ اللَّذَّةِ. وَأَمَّا الْكَفَّانِ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيٍّ، هُوَ ابْنُ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمَ أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا وَتُلْقِي سِخَابَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالاَ جَمِيعًا: نَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ: " سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَبَدَأَ بِالصَّلاَةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ ثُمَّ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ وَبِلاَلٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ يُلْقِينَ فِيهِ النِّسَاءُ صَدَقَةً، تُلْقِي الْمَرْأَةُ فَتْخَهَا. وَقَالَ أبو محمد: الْفَتْخُ خَوَاتِمُ كِبَارٌ كُنَّ يَحْبِسْنَهَا فِي أَصَابِعِهِنَّ، فَلَوْلاَ ظُهُورُ أَكُفَّهُنَّ مَا أَمْكَنَهُنَّ إلْقَاءُ الْفَتْخِ.
وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ لاَ يُرِيدُ زَوَاجَهَا أَوْ شِرَاءَهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً لِتَلَذُّذٍ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ، فَإِنْ نَظَرَ فِي الزِّنَا إلَى الْفَرْجَيْنِ لِيَشْهَدَ بِذَلِكَ فَمُبَاحٌ لَهُ، لأََنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، فَالْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ كَمَا قَدَّمْنَا آنِفًا عِنْدَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا أَوْ لَهَا أَوْ مِنْهَا. وَجَائِزٌ لِذِي الْمَحْرَمِ أَنْ يَرَى جَمِيعَ جِسْمِ حَرِيمَتِهِ، كَالْأُمِّ، وَالْجَدَّةِ، وَالْبِنْتِ، وَابْنَةِ الأَبْنِ، وَالْخَالَةِ، وَالْعَمَّةِ، وَبِنْتِ الأَخِ، وَبِنْتِ الْأُخْتِ، وَامْرَأَةِ الأَبِ، وَامْرَأَةِ الأَبْنِ، حَاشَا الدُّبُرَ وَالْفَرْجَ فَقَطْ. وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ بَعْضُهُنَّ مِنْ بَعْضٍ. وَكَذَلِكَ الرِّجَالُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ طَاوُوس كَرَاهَةَ نَظَرَ الرَّجُلِ إلَى شَعْرِ ابْنَتِهِ، وَأُمِّهِ، وَأُخْتِهِ، وَلاَ يَصِحُّ عَنْ طَاوُوس، وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ: أَنْ لاَ يُنْظَرَ مِنْ ذَاتِ الْمَحْرَمِ إِلاَّ إلَى مَا فَوْقَ الصَّدْرِ وَهَذَا تَحْدِيدٌ لاَ برهان عَلَى صِحَّتِهِ، وَلَيْسَ هَذَا مَكَانُ رَأْيٍ، وَلاَ اسْتِحْسَانٍ، لأََنَّ الْمُخَالِفِينَ لَنَا هَهُنَا بِأَهْوَائِهِمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى زِينَةِ شَعْرِ الْعَجُوزِ السَّوْدَاءِ الْحُرَّةِ، وَلَعَلَّ النَّظَرَ إلَيْهَا يَقْذِي الْعَيْنَ، وَيُمِيتَ تَهْيِيجَ النَّفْسِ. وَيُجِيزُونَ النَّظَرَ لِغَيْرِ لَذَّةٍ إلَى وَجْهِ الْجَارِيَةِ الْجَمِيلَةِ الْفَتَاةِ وَيَدَيْهَا وَقَدْ صَحَّ فِي ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحِجَامَةِ، فَأَذِنَ لَهَا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا طَيْبَةَ أَنْ يُحَجِّمَهَا قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ أَخَاهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ، أَوْ غُلاَمًا لَمْ يَحْتَلِمْ. قال أبو محمد: هَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ. وَقَدْ رُوِّينَا بِأَصَحِّ طَرِيقٍ: أَنَّ كُلَّ مَا رَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، فَإِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَهُ عَنْ جَابِرٍ. وَأَمَّا قَوْلُ الرَّاوِي: حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ أَخَاهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ غُلاَمًا لَمْ يَحْتَلِمْ فَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ مِنْ بَعْضِ رُوَاةِ الْخَبَرِ مِمَّنْ دُونَ جَابِرٍ. ثُمَّ هُوَ أَيْضًا ظَنٌّ غَيْرُ صَادِقٍ، لأََنَّ أُمَّ سَلَمَةَ رضي الله عنها وُلِدَتْ بِمَكَّةَ، وَبِهَا وَلَدَتْ أَكْثَرَ أَوْلاَدِهَا. وَأَبُو طَيْبَةَ: غُلاَمٌ لِبَعْضِ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ، فَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ أَخَاهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَكَانَ عَبْدًا مَضْرُوبًا عَلَيْهِ الْخَرَاجُ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: حَجَمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو طَيْبَةَ فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا مِنْ خَرَاجِهِ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُحَجِّمَهَا إِلاَّ حَتَّى يَرَى عُنُقَهَا، وَأَعْلَى ظَهْرَهَا مِمَّا يُوَازِي أَعْلَى كَتِفَيْهَا.
وَحَلاَلٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَكَذَلِكَ لَهُمَا أَنْ يَنْظُرَا إلَى فَرْجِهِ، لاَ كَرَاهِيَةَ فِي ذَلِكَ أَصْلاً. برهان ذَلِكَ: الأَخْبَارُ الْمَشْهُورَةُ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَمَيْمُونَةَ: أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنهن أَنَّهُنَّ كُنَّ يَغْتَسِلْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجَنَابَةِ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ. وَفِي خَبَرِ مَيْمُونَةَ بَيَانُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ، لأََنَّ فِي خَبَرِهَا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ فَبَطَلَ بَعْدَ هَذَا أَنْ يُلْتَفَتَ إلَى رَأْيِ أَحَدٍ. وَمِنْ الْعَجَبِ أَنْ يُبِيحَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّفِينَ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ وَطْءَ الْفَرْجِ وَيَمْنَعَ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهِ، وَيَكْفِي مِنْ هَذَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَخْطِبَ عَلَى خِطْبَةِ مُسْلِمٍ سَوَاءً رُكْنًا وَتَقَارُبًا أَوْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ لَهَا فِي دِينِهِ وَحُسْنِ صُحْبَتِهِ، فَلَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَخْطِبَ عَلَى خِطْبَةِ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ فِي الدِّينِ وَجَمِيلِ الصُّحْبَةِ. أَوْ إِلاَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ الأَوَّلُ فِي أَنْ يَخْطُبَهَا فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْطُبَهَا حِينَئِذٍ. أَوْ إِلاَّ أَنْ يَدْفَعَ الْخَاطِبُ الأَوَّلُ الْخِطْبَةَ فَيَكُونُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَخْطُبَهَا حِينَئِذٍ. أَوْ إِلاَّ أَنْ تَرُدَّهُ الْمَخْطُوبَةُ فَلِغَيْرِهِ أَنْ يَخْطُبَهَا حِينَئِذٍ وَإِلَّا فَلاَ. برهان ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ فَلاَ يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَبْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلاَ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَذَرَ فَفِي هَذَا الْخَبَرِ تَحْرِيمُ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ الْمُسْلِمِ حَتَّى يَذَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِصِّيصِيُّ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْت نَافِعًا يُحَدِّثُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلاَ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ الرَّجُلِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ. قال أبو محمد: وَأَمَّا إذَا رَدَّتْهُ الْمَخْطُوبَةُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَطْعُ الْخِطْبَةِ، لأََنَّ فِي تَمَادِيهِ الْإِضْرَارَ بِهَا وَالظُّلْمَ لَهَا فِي مَنْعِهِ بِذَلِكَ غَيْرَهُ مِنْ خِطْبَتِهَا، فَكُلُّ خِطْبَةٍ تَكُونُ مَعْصِيَةً فَلاَ حُكْمَ لَهَا. وَأَمَّا إذَا كَانَ فَوْقَهُ فِي دِينِهِ وَحُسْنِ صُحْبَتِهِ فَلِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْمَشْهُورِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: مَنْ خَطَبَكِ قَالَتْ: مُعَاوِيَةُ وَرَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ آخَرُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَإِنَّهُ غُلاَمٌ مِنْ غِلْمَانِ قُرَيْشٍ لاَ شَيْءَ لَهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَإِنَّهُ صَاحِبُ شَرٍّ لاَ خَيْرَ فِيهِ، انْكِحِي أُسَامَةَ قَالَتْ: فَكَرِهْتُهُ، فَقَالَ لَهَا ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: فَنَكَحَتْهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَذَكَرَتْ حَدِيثَهَا، وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي قَالَتْ: فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلاَ يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لاَ مَالَ لَهُ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ قَالَتْ: فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: انْكِحِي أُسَامَةَ، فَنَكَحَتْهُ، فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطَتْ. قال أبو محمد: فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ عَلَيْهَا بِاَلَّذِي هُوَ أَجْمَلُ صُحْبَةً لَهَا مِنْ أَبِي جَهْمٍ الْكَثِيرِ الضَّرْبِ لِلنِّسَاءِ، وَأُسَامَةُ أَفْضَلُ مِنْ مُعَاوِيَةَ. فإن قيل: وَمَا يُدْرِيك أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ كَانَ قَبْلَ خَبَرِ النَّهْيِ عَنْ أَنْ يَخْطِبَ أَحَدٌ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ. قلنا: قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ الدِّينُ النَّصِيحَةُ الدِّينُ النَّصِيحَةُ وَهَذَا حُكْمٌ بَاقٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَمِنْ أَنْصَحِ النَّصَائِحِ: أَنْ يَكُونَ مَرِيدٌ يُرِيدُ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ قَدْ خَطَبَهَا مَنْ هُوَ أَحْسَنُ صُحْبَةً، وَأَفْضَلُ دِينًا، مِنْ الَّذِي خَطَبَهَا قَبْلَهُ فَيَخْطُبُهَا هُوَ. وَأَمَّا إنْ تَرَكَ خِطْبَتَهَا مِنْ أَجْلِ الْخَاطِبِ قَبْلَهُ فَقَطْ فَمَا نَصَحَ الْمُسْلِمَةَ وَلَقَدْ غَشَّهَا وَهَذَا لاَ يَجُوزُ. وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ مُعَاوِيَةَ فَتًى مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ فِي غَايَةِ الْجَمَالِ وَالْحِلْمِ. وَأُسَامَةُ مَوْلَى كَلْبِيٌّ أَسْوَدُ كَالْقَارِ فَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّهُ لاَ فَضْلَ لَهُ عَلَيْهِ إِلاَّ بِالدِّينِ الَّذِي هُوَ نِهَايَةُ الْفَضْلِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَايَةِ النُّصْحِيَّةِ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ بِلاَ شَكٍّ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ إذَا رُكْنًا وَتَقَارُبًا فَدَعْوَى فَاسِدَةٌ بَاطِلٌ، لأََنَّهُ لَمْ يُعَضِّدْهَا قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ إجْمَاعٌ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلاَ نَظَرٌ صَحِيحٌ إنَّمَا هُوَ رَأْيٌ سَاقِطٌ فَقَطْ. وَلاَ يَحِلُّ التَّصْرِيحُ بِخِطْبَةِ امْرَأَةٍ فِي عِدَّتِهَا. وَجَائِزٌ أَنْ يُعَرِّضَ لَهَا بِمَا تَفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يُرِيدُ نِكَاحَهَا. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفًا وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} إلَى قَوْلِهِ: {فَاحْذَرُوهُ} فَأَبَاحَ تَعَالَى التَّعْرِيضَ وَمَنَعَ مِنْ الْمُوَاعَدَةِ سِرًّا. قال أبو محمد: وَمِنْ التَّعْرِيضِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: إذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي. وَقَدْ صَحَّ أَيْضًا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ: لاَ تُفَوِّتِينِي بِنَفْسِكِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمِنْ التَّعْرِيضِ مَا رُوِّينَاهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ يَقُولَ: إنِّي أُرِيدُ الزَّوَاجَ، وَلَوَدِدْت أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسَّرَ لِي امْرَأَةً صَالِحَةً، وَنَحْوَ هَذَا. وَلاَ يَحِلُّ نِكَاحُ مَنْ لَمْ يُولَدْ بَعْدُ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ، لأََنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيُولَدُ لَهُ ابْنَةٌ، أَمْ ابْنٌ، أَمْ مَيْتَةٌ. وَلاَ يَحِلُّ نِكَاحُ غَائِبَةٍ إِلاَّ بِتَوْكِيلٍ مِنْهَا عَلَى ذَلِكَ ;، وَلاَ يَحِلُّ إنْكَاحُ غَائِبٍ إِلاَّ بِتَوْكِيلٍ مِنْهُ وَرِضًا. لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
وَمَنْ تَزَوَّجَ مَمْلُوكَةً لِغَيْرِهِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ سَوَاءً ادَّعَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ أَوْ لَمْ تَدَّعِ، فَكُلُّ مَا وَلَدَتْ مِنْهُ فَهُمْ عَبِيدٌ لِسَيِّدِهَا لاَ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ فِدَاءٍ فِيهِمْ، إِلاَّ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا، فَعَلَيْهَا حَدُّ الزِّنَا وَلَيْسَ نِكَاحًا وَالْوَلَدُ لاَحِقُونَ بِالرَّجُلِ إنْ كَانَ جَاهِلاً. وقال أبو حنيفة: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوُجِدَتْ مَمْلُوكَةً وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ أَوْلاَدًا فَأَوْلاَدُهُ مِنْهَا أَحْرَارٌ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ يَوْمَ الْحُكْمِ وَيَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَنْ غَرَّهُ، إنْ كَانَ غَرَّهُ غَيْرُهُمَا، أَوْ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ هِيَ غَرَّتْهُ، وَعَلَيْهِ صَدَاقُهَا لِسَيِّدِهَا، وَلاَ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ، وَلاَ عَلَيْهَا، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَتْلٌ فَأَخَذَ الأَبُ دِيَتَهُ، فَإِنْ كَانَ الأَبُ مُعْسِرًا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلاَ عَلَى أَوْلاَدِهِ. وقال مالك: هُمْ أَحْرَارٌ وَعَلَى أَبِيهِمْ قِيمَةُ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ يَوْمَ الْحُكْمِ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ مَاتَ الأَبُ قَبْلَ الْحُكْمِ فَلاَ شَيْءَ عَلَى الأَوْلاَدِ وَهُمْ أَحْرَارٌ وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: عَلَيْهِمْ قِيمَةُ أَنْفُسِهِمْ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَبُوهُمْ عَدِيمًا. وقال الشافعي: هُمْ أَحْرَارٌ وَعَلَى أَبِيهِمْ قِيمَتُهُمْ يَوْمَ وُلِدُوا، سَوَاءٌ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَمَنْ عَاشَ. قال أبو محمد: اعْجَبُوا لِمَا فِي هَذِهِ الأَقْوَالِ مِنْ الْفَضَائِحِ لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ أَنْ تَكُونَ الأَوْلاَدُ إِلاَّ أَحْرَارًا أَوْ مَمَالِيكَ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ، فَلَعَمْرِي لَئِنْ كَانُوا أَحْرَارًا مُذْ وُلِدُوا فَمَا يَحِلُّ لِسَيِّدِ أُمِّهِمْ أَخْذُ قِيمَةِ حُرٍّ، وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَغْرَمَ أَبُوهُمْ فِي قِيمَتِهِمْ ثَمَنًا أَصْلاً. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَذَكَرَ فِيهِمْ: وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ. وَإِنْ كَانُوا مَمَالِيكَ فَمَا يَحِلُّ لأََحَدٍ إجْبَارُ إنْسَانٍ عَلَى بَيْعِ مَمَالِيكِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ مِنْ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عَجَبٌ آخَرُ وَهُوَ إلْزَامُهُ قِيمَةَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ دُونَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ، ثُمَّ ارْتِجَاعُهُ بِمَا غَرِمَ عَلَى مَنْ غَرَّهُ مِنْ قِيمَةِ الأَوْلاَدِ، وَلاَ يَرُدُّونَهُ بِمَا غَرِمَ مِنْ الصَّدَاقِ فَأَتَوْا بِغَرِيبَةٍ، قَالُوا: لأََنَّهُ قَدْ اسْتَعَاضَ بَعْضَهَا . فَقُلْنَا: وَقَدْ اسْتَعَاضَ أَوْلاَدًا أَحْرَارًا، فَلاَ تَرُدُّوهُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ بِذَلِكَ. قال أبو محمد: وَقَدْ جَاءَتْ عَنْ السَّلَفِ فِي هَذَا آثَارٌ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: بَاعَ رَجُلٌ جَارِيَةً لأََبِيهِ فَتَسَرَّاهَا الْمُشْتَرِي فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلاَدًا فَجَاءَ أَبُوهُ فَخَاصَمَهُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَرَدَّهَا وَوَلَدَهَا إلَيْهِ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: دَعْ لِي وَلَدِي فَقَالَ: دَعْ لَهُ وَلَدَهُ. وَرُوِّينَاهُ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ قَضَى بِالْخَلاَصِ عَلَى الْبَائِعِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ قَالَ أَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَجُلاً بَاعَ جَارِيَةً لأََبِيهِ وَأَبُوهُ غَائِبٌ، فَلَمَّا قَدِمَ أَبَى أَنْ يُجِيزَ بَيْعَ ابْنِهِ وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي فَاخْتَصَمُوا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَضَى لِلرَّجُلِ بِجَارِيَتِهِ وَأَمَرَ الْمُشْتَرِيَ أَنْ يَأْخُذَ بَيْعَهُ بِالْخَلاَصِ فَلَزِمَهُ فَقَالَ أَبُو الْبَائِعِ: مُرْهُ فَلْيُخَلِّ، عَنِ ابْنِي فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنْتَ فَخَلِّ، عَنِ ابْنِهِ. قال أبو محمد: هَذِهِ شَفَاعَةٌ مِنْ عُمَرَ رضي الله عنه لأََنَّهُ قَدْ قَضَى لَهُ بِمِلْكِهِمْ أَوْ قَضَى مِنْهُ بِالْخَلاَصِ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا عَبْدُ الأَعْلَى، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى التَّغْلِبِيَّ نَا سَعِيدٌ، هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: إنَّ أَمَةً أَتَتْ طَيِّئًا فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلاَدًا، ثُمَّ إنَّ سَيِّدَهَا ظَهَرَ عَلَيْهَا، فَقَضَى لَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَنَّهَا وَأَوْلاَدُهَا لِسَيِّدِهَا، وَأَنَّ لِزَوْجِهَا مَا أَدْرَكَ مِنْ مَتَاعِهِ، وَجَعَلَ فِيهِمْ الْمِلَّةَ أَوْ السُّنَّةَ كُلُّ رَأْسٍ بِرَأْسَيْنِ قَالَ قَتَادَةَ: وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: فِي كُلِّ رَأْسٍ رَأْسٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّ امْرَأَةً بَاعَتْ هِيَ وَابْنٌ لَهَا جَارِيَةً لِزَوْجِهَا، فَوَلَدَتْ الْجَارِيَةُ لِلَّذِي ابْتَاعَهَا، ثُمَّ جَاءَ زَوْجُهَا فَخَاصَمَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ: لَمْ أَبِعْ وَلَمْ أَهَبْ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: قَدْ بَاعَ ابْنُك وَامْرَأَتُك فَقَالَ: إنْ كُنْت تَرَى لِي حَقًّا فَأَعْطِنِي. قَالَ عَلِيٌّ: فَخُذْ جَارِيَتَك وَابْنَهَا، ثُمَّ سَجَنَ الْمَرْأَةَ وَابْنَهَا حَتَّى تَخَلَّصَا لَهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الزَّوْجُ سَلَّمَ الْبَيْعَ: فَهَؤُلاَءِ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ أَئِمَّةُ الْهُدَى قَدْ قَضَوْا بِأَوْلاَدِ الْمُسْتَحِقَّةِ رَقِيقًا لِسَيِّدِ أُمِّهِمْ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم ،. إِلاَّ رِوَايَةً سَاقِطَةً عَنْ عَلِيٍّ رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ مِنْهُ أَوْلاَدًا ثُمَّ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ، قَالَ: تُرَدُّ عَلَيْهِ، وَيَقُومُ عَلَيْهِ وَلَدُهَا فَيَغْرَمُ الَّذِي بَاعَهُ بِمَا عَزَّ وَهَانَ، وَابْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفٌ وَهُمْ يُشَنِّعُونَ خِلاَفَ مِثْلِ هَذَا إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ، وَقَدْ خَالَفُوهُمْ هَهُنَا. وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ نَحْتَجُّ هَهُنَا، وَلاَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ جُمْلَةً إِلاَّ بِقُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا نُورِدُ مَا نُورِدُ مِنْ ذَلِكَ تَبْكِيتًا لِمَنْ يَحْتَجُّ بِهِ إذَا وَافَقَ هَوَاهُ، وَلاَ يَحْتَجُّ بِهِ إذَا خَالَفَهُ، وَهَذَا هُوَ التَّلاَعُبُ بِالدِّينِ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ وَجَاءَ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلُّ مَنْ بَعْدَهُ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ بِأَنَّ وَلَدَ مَا يَمْلِكُهُ الْمَرْءُ مِنْ إنَاثِ الْإِمَاءِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ فَإِنَّهُ مِلْكٌ لِمَالِك أُمِّهِ. فَنَسْأَلُ الْمُخَالِفِينَ عَنْ هَذِهِ الْغَارَّةِ أَوْ الْمُبِيعَةِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا: أَهِيَ زَوْجَةٌ لِلَّذِي وَلَدَتْ لَهُ، أَوْ مِلْكُ يَمِينٍ لَهُ، أَمْ لَيْسَتْ لَهُ زَوْجَةٌ، وَلاَ مِلْكَ يَمِينٍ، وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا. فَلاَ يَخْتَلِفُونَ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ زَوْجَةً، وَلاَ مِلْكَ يَمِينٍ، وَأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ مِلْكُ يَمِينِ مَالِكِهَا الَّذِي لَمْ يَبِعْهَا، وَلاَ أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ، وَلاَ أَذِنَ لَهَا فِي النِّكَاحِ، وَأَنَّهَا مَالٌ مِنْ مَالِهِ فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي هَذَا، فَلاَ يَجُوزُ لأََحَدٍ الْحُكْمُ بِإِخْرَاجِ أَمَتِهِ أَوْ مَمَالِيكِهِ بِمَا وَلَدَتْ عَنْ يَدِهِ بِغَيْرِ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ، وَهَذَا غَايَةُ الْبَيَانِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد: وَقَدْ جَاءَ عَنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَالتَّابِعِينَ أَشْيَاءُ نَذْكُرُ مِنْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَصْلُحُ لِهَذَا الْمَكَانِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اعْقِلْ عَنِّي ثَلاَثًا: الْإِمَارَةُ شُورَى، وَفِي وَفْدِ الْعَرَبِ مَكَانَ كُلِّ عَبْدٍ عَبْدٌ، وَفِي ابْنِ الأَمَةِ عَبْدَانِ. قال أبو محمد: هَذَا فِي الصِّحَّةِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ سَمِعْنَاهُ مِنْهُ، وَلاَ فَرْقَ وَبِاَللَّهِ لَوْ ظَفِرُوا خُصُومُنَا بِمِثْلِ هَذَا مَا تَرَدَّدُوا، وَلاَسْتَخَارُوا اللَّهَ تَعَالَى لَوْ وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: مِثْلَ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَلاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ تَوْقِيفٌ، كَمَا قَالُوا فِي قَوْلِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها فِي ابْتِيَاعِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الْعَبْدَ وَبَيْعَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ غَاضِرَةَ الْعَنْبَرِيِّ قَالَ: أَتَيْنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي نِسَاءٍ سَعَيْنَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَمَرَ أَنْ يَقُومَ أَوْلاَدُهُنَّ عَلَى آبَائِهِمْ، وَلاَ يُسْتَرَقُّوا يَعْنِي إمَاءً زَنَيْنَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَوَلَدْنَ مِنْ الزِّنَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي فِدَاءِ وَلَدِ الرَّجُلِ مِنْ أَمَتِهِ قَوَّمَ مَكَانَ كُلِّ جَارِيَةٍ جَارِيَةً، وَمَكَانَ كُلِّ غُلاَمٍ غُلاَمًا. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ أَوْ عَنْ عُثْمَانَ؛ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي فِدَاءِ سَبْيِ الْعَرَبِ بِسِتَّةِ فَرَائِضَ وَقَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي ذَلِكَ فِي كُلِّ رَأْسٍ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي فِدَاءِ سَبْيِ الْعَرَبِ فِي كُلِّ رَأْسٍ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْت سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى يَذْكُرُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي وَلَدِ الأَمَةِ تُخْبِرُ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَيَنْكِحُهَا أَحَدُهُمْ فَتَلِدُ لَهُ: أَنَّ عَلَى آبَائِهِمْ مِثْلَ كُلِّ وَلَدٍ لَهُ مِنْ الرَّقِيقِ فِي الشِّبْرِ وَالذَّرْعِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَقُلْت لَهُ: فَإِنْ كَانَ أَوْلاَدُهُ حِسَانًا قَالَ: لاَ يُكَلَّفُ مِثْلُهُمْ فِي الْحُسْنِ، إنَّمَا يُكَلَّفُ فِي الذَّرْعِ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ: نَكَحَ رَجُلٌ أَمَةً فَوَلَدَتْ لَهُ، فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَكَتَبَ: أَنْ يُفَادِيَ أَوْلاَدَهُ. قَالَ ابْنُ مُفَرِّجٍ فِي غَيْرِ كِتَابِ ابْنِ الأَعْرَابِيِّ: بِوَصِيفَيْنِ أَحْمَرَيْنِ، كُلُّ وَاحِدٍ بِاثْنَيْنِ. فَهَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ لاَ يَرَوْنَ الْفِدَاءَ، إِلاَّ إمَّا بِغُلاَمٍ مَكَانَ الذَّكَرِ، أَوْ بِجَارِيَةٍ مَكَانَ الْأُنْثَى، وَأَمَّا بِغُلاَمَيْنِ مَكَانَ غُلاَمٍ ذَكَرٍ. وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي وَلَدِ الْغَارَّةِ يُقَارَبُ أَبُوهُمْ فِيهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي الْغَارَّةِ قَالَ: صَدَاقُهَا عَلَى الَّذِي غَرَّهُ. وَقَالَ حُمَامُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ مِثْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ الْحَكَمُ فِكَاكُ وَلَدِهَا عَلَى الأَبِ، وَلاَ نَعْلَمُ عَنْ صَاحِبٍ، وَلاَ تَابِعٍ غَيْرَ مَا أَوْرَدْنَا فَخَالَفَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، كُلَّ هَؤُلاَءِ، لأَخْتِرَاعٍ لَهُمْ فَاسِدٍ، وَبِإِيجَابِ الْقِيمَةِ الَّتِي لَمْ تَأْتِ مِنْ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ اتَّبَعَهُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ أَثَرَانِ نَذْكُرُهُمَا: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ زَكَرِيَّا، هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبْيِ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ فِدَاءَ الرَّجُلِ ثَمَانٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَأَنَّ فِي الْأُنْثَى عَشْرًا، قَالَ سُفْيَانُ: فَأَخْبَرَنِي مُجَالِدٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ ذَلِكَ شَكَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَجَعَلَ فِدَاءَ الرَّجُلِ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِدَاءِ رَقِيقِ الْعَرَبِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فِي الرَّجُلِ إذَا سُبِيَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِثَمَانٍ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي ابْنِ الأَمَةِ بِوَصِيفَيْنِ وَصَيْفَيْنِ، لِكُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى. وَقَضَى فِي سَبِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ بِعَشْرٍ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي وَلَدِهَا مِنْ الْعَبْدِ بِوَصِيفَيْنِ يَفْدِيهِ مَوَالِي أُمِّهِ وَهُمْ عُصْبَتُهَا لَهُمْ مِيرَاثُهَا وَمِيرَاثُهُ، مَا لَمْ يَعْتِقْ أَبُوهُ. وَقَضَى فِي سَبْيِ الإِسْلاَمِ بِسِتَّةٍ مِنْ الْإِبِلِ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ فَذَلِكَ فِدَاءُ الْعَرَبِ. فَإِنْ تَعَلَّقُوا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي بَكْرِ عَيَّاشٍ قَالَ: أَبُو حُصَيْنٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ لَمَّا اُسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَيْسَ عَلَى عَرَبِيٍّ مِلْكٌ، وَلَسْنَا بِنَازِعِينَ مِنْ يَدِ أَحَدٍ شَيْئًا أَسْلَمَ عَلَيْهِ، وَلاَ كُنَّا نُقَوِّمُهُمْ الْمِلَّةَ قلنا: أَنْتُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا، فَتُوجِبُونَ الْمِلْكَ لِلْعِلْجِ عَلَى أَوْلاَدِ الْعَرَبِيِّ، وَالْقُرَشِيِّ، إذَا تَزَوَّجَ أَمَتَهُ بِإِذْنِهِ، وَلاَ يُمْكِنُكُمْ دَعْوَى إجْمَاعٍ هَهُنَا، لأََنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَالأَوْزَاعِيَّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَأَبَا ثَوْرٍ، وَإِسْحَاقَ بْنَ رَاهْوَيْهِ، كُلَّهُمْ يَقُولُ عَنْ عُمَرَ: فِي الْعَبْدِ يَتَزَوَّجُ أَمَةَ رَجُلٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهَا: أَنَّ أَوْلاَدَهُ مِنْهَا أَحْرَارٌ لاَ رِقَّ عَلَيْهِمْ، وَلاَ عَلَى أَبِيهِمْ فِدَاؤُهُمْ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ بِالْعِرَاقِ. قال أبو محمد: إنَّ مَنْ تَعَلَّقَ فِي رَدِّ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ بِرِوَايَةِ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ عَنْ عُمَرَ: الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ. وَبِرِوَايَةِ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ لاَ يُؤَمِّنُ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا. ثُمَّ خَالَفَ رِوَايَةَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ زَكَرِيَّا عَنْ الشَّعْبِيِّ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَرِوَايَةَ ابْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ وَمُرْسَلَ عِكْرِمَةَ: لِمَنْحُوسِ الْحَظِّ مِنْ الصَّوَابِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلاَلِ. وَمِنْ طَرَائِفِ مَا يَأْتُونَ بِهِ: احْتِجَاجُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: بِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْتَقَ " وَلَدَ الْغَارَّةِ، وَالْمُسْتَحَقَّةِ " لأََنَّ أَبَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ . فَقُلْنَا: إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ فَكَانَ مَاذَا وَفِي أَيِّ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَجَدْتُمْ أَمْ فِي أَيِّ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْرُجَ مِلْكُ فَرْجٍ، وَمَا وَلَدَ، عَنْ مِلْكِ مَالِكِهِمْ قَهْرًا مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْوَاطِئَ لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ، فَحَسْبُك بِهَذَا الْقَوْلِ هُجْنَةٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.
|